عندما فتحوا باب الشقة الملعونة في حي النزهة التي ارتكب فيها أب أبشع جريمة.. بعد جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل.
أحسست برعدة تهز كياني كله.. وقشعريرة من هذا النوع الذي كان يلفني صغيرا وأنا أعبر خرابة الخربوطلي في عزبة الملجأ في شبين الكوم بعد منتصف الليل, حيث احترقت حموقة ابنة المعلم سلطان في ليلة زفافها واحترق معها البيت كله. وتحول بعدها إلي أطلال وبوم وغربان واشباح!
أحسست أنني لا أقدر علي الوقوف.. وأن قدمي قد تسمرتا في مكانهما أمام باب الشقة الملعونة.. هبت نسمة من داخل الشقة المغلقة بأمر النيابة.. فيها رائحة العفن والموت والخراب.. فقد زارها الشيطان.. ويقيني أنه لم يخرج منها بعد!
لم أقدر علي الدخول.. وكيف أدخل شقة سكنها الشيطان.. وربما لايزال يقيم هو ورفاقه من شياطين الإثم والعدوان داخل هذه الشقة التي تحولت بعد مذبحة الأب إلي مقبرة بلا موتي!
وهكذا بني الشيطان له قبرا في حي النزهة بمصر الجديدة..
والقشعريرة تلفني.. وأنا أجاهد للخروج من دوامة الحيرة.. جاءني صوتها علي تليفوني المخبول أقصد المحمول.. إنها سكرتيرتي النشيطة التي تسمع دبة النملة: أجاثا كريستي أشهر كاتبة قصة بوليسية في العالم وصلت إلي الأقصر وتنزل في فندق الونتر بالاس الشهير في غرفة203 التي تطل شرفتها علي النيل مباشرة..
قلت لها: أنا لا أعرفها ولم ألتق بها يوما وإن كنت قد قرأت كل رواياتها البوليسية الرائعة تقريبا..
تسألني في خبث: ألم تقرأ روايتها جريمة في وادي النيل؟
قلت: بالتأكيد..
قالت: وانت تقف الآن أمام باب المقبرة ـ آسفة ـ أقصد الشقة التي ارتكب فيها الأب جريمة قتل ابنه وابنته وزوجته برصاص مسدسه ذات صباح لم تشرق شمسه.. ثم أطلق علي رأسه في نهاية المشهد المأساوي رصاصة الرحمة. لدينا الآن الجريمة الغامضة.. ولدينا في الوقت نفسه اجاتا كريستي!
قلت: تقصدين أن أجاثا تحقق الجريمة اللغز؟
قالت: وهل هناك غيرها؟
...............
..............
طائرة المساء تحملنا إلي الأقصر.. عندما وصلنا إلي الونتر بالاس.. كانت الساعة تقترب من العاشرة مساء.. طرقنا باب جناحها.. خرجت إلينا سكرتيرتها غاضبة وقالت بإنجليزية أولاد الشوارع في لندن: مافيش ذوق.. الأستاذة نائمة.. الصباح رباح!
لا أعرف ماذا فعلت سكرتيرتي العفريتة.. لكني فوجئت بها تطرق باب غرفتي في الثامنة صباحا وهي تقول: إفطارك مع مسز أجاثا كريستي في شرفة جناحها في تمام الثامنة والنصف تماما لا تتأخر!
في الموعد المحدد كنت أجلس في انتظارها في شرفة جناحها الملكي وأنا أتصفح آخر نسخ من الصحف والمجلات الإنجليزية.. جاءت ترتدي تايير أبيض وقبعة من اللون نفسه وتتكيء علي عصاة بلون الأبنوس وتسندها وتساعدها علي المشي سكرتيرتها التي تشبه حرابيق حواري لندن التي شهدت قبل قرنين أحداث قصة تشارلز ديكنز الشهيرة أوليفر تويست.
قمت من مقعدي احتراما وتبجيلا.. ها أنا في حضرة أعظم محققة بوليسية عرفها عالم الجريمة..
قالت: تفضل.. أنت مصري وأنا أعشق كل ما هو مصري.. أنتم أصحاب تاريخ عظيم وملوك عظام وملكات حكمن الدنيا أيام أن كنا نحن في بريطانيا نعيش في الجبال والبراري.. وأيام أن كانت المرأة الإنجليزية من سكان الكهوف!
لم أدر ماذا أقول لها.. وشعرت كأنني تلميذ في ثانية ابتدائي يقف أمام معلمته القادمة من بلاد الفرنجة.. حاولت أن أذكرها بأعظم ما كتبت هي وعنوانها: جريمة في وادي النيل. وهي تحكي قصة جريمة وقعت بين مجموعة من الاجانب ركبوا باخرة علي النيل.. وقصة أخري بعنوان الموت يأتي في النهاية وقد حدثت ايام الفراعنة..
قالت: دعك من كل هذا.. لو أنك غمست قطعة الكراوساه الساخنة هذه في كوب الجبن الشيدر الطرية هذا.. لوجدت لها مذاقا رائعا..
قلت لها: ولكنني صائم ياسيدتي.. نحن في رمضان.. وقد جئت اليك من اجل..
قاطعتني: أعرف.. جريمة حي النزهة عندكم!
قلت: كل الأخبار سبقتني إليك!
قالت: سكرتيرتك النشيطة قدمت إلي مذكرة كاملة باللغة الإنجليزية بالحادث البشع.. مع صور حية للضحايا من علي شبكة النت.. وملف من قصاصات الصحف المصرية والإنجليزية وكلها تتحدث عن الجريمة الغامضة!
أسألها: وما قولك سيدتي؟
قالت: لابد لي أن أذهب بنفسي إلي مكان الجريمة.. ولكن بشرط؟
قلت: أوامرك يا سيدتي؟
قالت: أن تعوضني عن الأيام التي سأبتعد فيها عن حضن أجمل مدينة علي وجه الأرض.. وعن ملوكها وملكاتها.. طيبة العظيمة؟
قلت وأنا أخشي ألا أفي بوعدي: لك مني هذا يا سيدتي؟
همست لي سكرتيرتي الأروبة في أذني: لا تقلق.. لو أن الفنان فاروق حسني وزير الثقافة ـ وهو يخوض معركة كرسي اليونسكو ـ عرف أن أجاثا كريستي هنا.. لجاء إليها من فوره وأنزلها ضيفة عزيزة مكرمة علي مصر..
قلت لها: إنه في رحلة إلي الصين من أجل اليونسكو.
قالت: عليك إذن بالدكتور زاهي حواس الحارس علي تاريخ مصر وتراث مصر وحضارة مصر..
قلت لها: وإذا كان هو الآن في رحلة إلي اليابان؟
قالت: آه لو عرف صديقك الدكتور سمير فرج رئيس مدينة الأقصر أن أجاثا كريستي بشحمها ودمها تسكن جناحا في الونتر بالاس في مدينته.. لسبق صديقيك الفنان فاروق حسني ود. زاهي حواس إليها.. وأضاء لها طريق الكباش بالشموع ودقات الطبول!
..............
.............
لمست عجلات طائرتنا أرض مطار القاهرة في نحو التاسعة صباحا..
كنا نقف علي باب الشقة الملعونة قبل العاشرة بخمس دقائق..
قالت لي أعظم كاتبة قصة بوليسية عرفها العالم: اسمع الجريمة كلها وقعت خلال ثلاث دقائق لا أكثر.. ماذا جري خلال دقائق الرعب هذه.. تلك مهمتي..
لا أعرف.. كيف عرف رجال الصحف والمحطات التليفزيونية الأجنبية بخبر وصول أجاثا كريستي.. سكرتيرتي الأروبة لن تفعل أبدا.. حفاظا علي أسرار المهنة.. بعد أن شبع المصورون تصويرا لها علي باب الشقة.. طلبت منهم أن يتركوها في هدوء.. فالجريمة واحدة من أشرس وأعقد الجرائم التي صادفتها في حياتها.
وقفوا في انتظارها علي الباب أعلي السلالم وأمام باب العمارة..
قلت لها همسا: سأبوح لك بسر..
قالت: هات ما عندك؟
قلت: لقد قالي لي أحد أقارب الأسرة المقربين الذي حاول مرارا أن يتدخل ليصلح ذات البين بين الزوجة وزوجها أنه شاهدهما في إحدي جلسات الصلح وما أكثرها يتبادلان السباب والصراخ والاتهامات!
لا أعرف كيف حصلت هذه السكسونية الداهية علي تصريح من النيابة بدخول الشقة الملعونة..
صعدنا معا حتي الدور السادس.. وقفنا أمام باب الشقة.. ولكن لم تطاوعني مشاعري علي الدخول إلي مقبرة الشيطان.. بعد أن تملكتني القشعريرة نفسها التي ظلت تلازمني منذ الصغر منذ حرق حموقة!
أحسست برعدة تهز كياني كله.. وقشعريرة من هذا النوع الذي كان يلفني صغيرا وأنا أعبر خرابة الخربوطلي في عزبة الملجأ في شبين الكوم بعد منتصف الليل, حيث احترقت حموقة ابنة المعلم سلطان في ليلة زفافها واحترق معها البيت كله. وتحول بعدها إلي أطلال وبوم وغربان واشباح!
أحسست أنني لا أقدر علي الوقوف.. وأن قدمي قد تسمرتا في مكانهما أمام باب الشقة الملعونة.. هبت نسمة من داخل الشقة المغلقة بأمر النيابة.. فيها رائحة العفن والموت والخراب.. فقد زارها الشيطان.. ويقيني أنه لم يخرج منها بعد!
لم أقدر علي الدخول.. وكيف أدخل شقة سكنها الشيطان.. وربما لايزال يقيم هو ورفاقه من شياطين الإثم والعدوان داخل هذه الشقة التي تحولت بعد مذبحة الأب إلي مقبرة بلا موتي!
وهكذا بني الشيطان له قبرا في حي النزهة بمصر الجديدة..
والقشعريرة تلفني.. وأنا أجاهد للخروج من دوامة الحيرة.. جاءني صوتها علي تليفوني المخبول أقصد المحمول.. إنها سكرتيرتي النشيطة التي تسمع دبة النملة: أجاثا كريستي أشهر كاتبة قصة بوليسية في العالم وصلت إلي الأقصر وتنزل في فندق الونتر بالاس الشهير في غرفة203 التي تطل شرفتها علي النيل مباشرة..
قلت لها: أنا لا أعرفها ولم ألتق بها يوما وإن كنت قد قرأت كل رواياتها البوليسية الرائعة تقريبا..
تسألني في خبث: ألم تقرأ روايتها جريمة في وادي النيل؟
قلت: بالتأكيد..
قالت: وانت تقف الآن أمام باب المقبرة ـ آسفة ـ أقصد الشقة التي ارتكب فيها الأب جريمة قتل ابنه وابنته وزوجته برصاص مسدسه ذات صباح لم تشرق شمسه.. ثم أطلق علي رأسه في نهاية المشهد المأساوي رصاصة الرحمة. لدينا الآن الجريمة الغامضة.. ولدينا في الوقت نفسه اجاتا كريستي!
قلت: تقصدين أن أجاثا تحقق الجريمة اللغز؟
قالت: وهل هناك غيرها؟
...............
..............
طائرة المساء تحملنا إلي الأقصر.. عندما وصلنا إلي الونتر بالاس.. كانت الساعة تقترب من العاشرة مساء.. طرقنا باب جناحها.. خرجت إلينا سكرتيرتها غاضبة وقالت بإنجليزية أولاد الشوارع في لندن: مافيش ذوق.. الأستاذة نائمة.. الصباح رباح!
لا أعرف ماذا فعلت سكرتيرتي العفريتة.. لكني فوجئت بها تطرق باب غرفتي في الثامنة صباحا وهي تقول: إفطارك مع مسز أجاثا كريستي في شرفة جناحها في تمام الثامنة والنصف تماما لا تتأخر!
في الموعد المحدد كنت أجلس في انتظارها في شرفة جناحها الملكي وأنا أتصفح آخر نسخ من الصحف والمجلات الإنجليزية.. جاءت ترتدي تايير أبيض وقبعة من اللون نفسه وتتكيء علي عصاة بلون الأبنوس وتسندها وتساعدها علي المشي سكرتيرتها التي تشبه حرابيق حواري لندن التي شهدت قبل قرنين أحداث قصة تشارلز ديكنز الشهيرة أوليفر تويست.
قمت من مقعدي احتراما وتبجيلا.. ها أنا في حضرة أعظم محققة بوليسية عرفها عالم الجريمة..
قالت: تفضل.. أنت مصري وأنا أعشق كل ما هو مصري.. أنتم أصحاب تاريخ عظيم وملوك عظام وملكات حكمن الدنيا أيام أن كنا نحن في بريطانيا نعيش في الجبال والبراري.. وأيام أن كانت المرأة الإنجليزية من سكان الكهوف!
لم أدر ماذا أقول لها.. وشعرت كأنني تلميذ في ثانية ابتدائي يقف أمام معلمته القادمة من بلاد الفرنجة.. حاولت أن أذكرها بأعظم ما كتبت هي وعنوانها: جريمة في وادي النيل. وهي تحكي قصة جريمة وقعت بين مجموعة من الاجانب ركبوا باخرة علي النيل.. وقصة أخري بعنوان الموت يأتي في النهاية وقد حدثت ايام الفراعنة..
قالت: دعك من كل هذا.. لو أنك غمست قطعة الكراوساه الساخنة هذه في كوب الجبن الشيدر الطرية هذا.. لوجدت لها مذاقا رائعا..
قلت لها: ولكنني صائم ياسيدتي.. نحن في رمضان.. وقد جئت اليك من اجل..
قاطعتني: أعرف.. جريمة حي النزهة عندكم!
قلت: كل الأخبار سبقتني إليك!
قالت: سكرتيرتك النشيطة قدمت إلي مذكرة كاملة باللغة الإنجليزية بالحادث البشع.. مع صور حية للضحايا من علي شبكة النت.. وملف من قصاصات الصحف المصرية والإنجليزية وكلها تتحدث عن الجريمة الغامضة!
أسألها: وما قولك سيدتي؟
قالت: لابد لي أن أذهب بنفسي إلي مكان الجريمة.. ولكن بشرط؟
قلت: أوامرك يا سيدتي؟
قالت: أن تعوضني عن الأيام التي سأبتعد فيها عن حضن أجمل مدينة علي وجه الأرض.. وعن ملوكها وملكاتها.. طيبة العظيمة؟
قلت وأنا أخشي ألا أفي بوعدي: لك مني هذا يا سيدتي؟
همست لي سكرتيرتي الأروبة في أذني: لا تقلق.. لو أن الفنان فاروق حسني وزير الثقافة ـ وهو يخوض معركة كرسي اليونسكو ـ عرف أن أجاثا كريستي هنا.. لجاء إليها من فوره وأنزلها ضيفة عزيزة مكرمة علي مصر..
قلت لها: إنه في رحلة إلي الصين من أجل اليونسكو.
قالت: عليك إذن بالدكتور زاهي حواس الحارس علي تاريخ مصر وتراث مصر وحضارة مصر..
قلت لها: وإذا كان هو الآن في رحلة إلي اليابان؟
قالت: آه لو عرف صديقك الدكتور سمير فرج رئيس مدينة الأقصر أن أجاثا كريستي بشحمها ودمها تسكن جناحا في الونتر بالاس في مدينته.. لسبق صديقيك الفنان فاروق حسني ود. زاهي حواس إليها.. وأضاء لها طريق الكباش بالشموع ودقات الطبول!
..............
.............
لمست عجلات طائرتنا أرض مطار القاهرة في نحو التاسعة صباحا..
كنا نقف علي باب الشقة الملعونة قبل العاشرة بخمس دقائق..
قالت لي أعظم كاتبة قصة بوليسية عرفها العالم: اسمع الجريمة كلها وقعت خلال ثلاث دقائق لا أكثر.. ماذا جري خلال دقائق الرعب هذه.. تلك مهمتي..
لا أعرف.. كيف عرف رجال الصحف والمحطات التليفزيونية الأجنبية بخبر وصول أجاثا كريستي.. سكرتيرتي الأروبة لن تفعل أبدا.. حفاظا علي أسرار المهنة.. بعد أن شبع المصورون تصويرا لها علي باب الشقة.. طلبت منهم أن يتركوها في هدوء.. فالجريمة واحدة من أشرس وأعقد الجرائم التي صادفتها في حياتها.
وقفوا في انتظارها علي الباب أعلي السلالم وأمام باب العمارة..
قلت لها همسا: سأبوح لك بسر..
قالت: هات ما عندك؟
قلت: لقد قالي لي أحد أقارب الأسرة المقربين الذي حاول مرارا أن يتدخل ليصلح ذات البين بين الزوجة وزوجها أنه شاهدهما في إحدي جلسات الصلح وما أكثرها يتبادلان السباب والصراخ والاتهامات!
لا أعرف كيف حصلت هذه السكسونية الداهية علي تصريح من النيابة بدخول الشقة الملعونة..
صعدنا معا حتي الدور السادس.. وقفنا أمام باب الشقة.. ولكن لم تطاوعني مشاعري علي الدخول إلي مقبرة الشيطان.. بعد أن تملكتني القشعريرة نفسها التي ظلت تلازمني منذ الصغر منذ حرق حموقة!